فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما النوع الثاني فهو استطاعة الاستنابة فإنها جائزة في الحج وإن كانت العبادات بعيدة عن الاستنابة، لأن المحجوج عنه قد يكون عاجزًا عن المباشرة بسبب الموت أو الكبر أو زمانة أو مرض لا يرجى زواله.
وعن ابن عباس أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أختي نذرت أن تحج وماتت قبل أن تحج، أفأحج عنها؟ فقال: «لو كان على أختك دين أكنت قاضية؟» قال: نعم قال: «فاقضوا حق الله تعالى فهو أحق بالقضاء».
وعنه أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن فريضة الله تعالى على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم. وقد تكون الاستنابة بطريق الاستئجار لأنه عمل يدخله النيابة فيجري فيه الاستئجار كتفريق الزكاة. وعند أبي حنيفة وأحمد لا يجوز ولكن يرزق عليه. ولو استأجر كان ثواب النفقة للآمر وسقط عنه الخطاب بالحج ويقع الحج عن الحاج. والحج بالرزق أن يقول: حج عني وأعطيك نفقتك. وهذا أيضا جائز عند الشافعي كالإجارة. ولكن لا يجوز أن يقول استأجرتك بالنفقة لأنها مجهولة. والأجر لابد أن تكون معلومة. فهذا جملة الكلام في الاستطاعة عند الجمهور.
وعن الضحاك: إذا قدر أن يؤجر نفسه فهو مستطيع، وقيل له في ذلك فقال: إن كان لبعضهم ميراث بمكة أكان يتركه بل كان ينطلق إليه ولو حبوًا، فكذلك يجب عليه الحج. وفي ألآية أنواع من التوكيد والتغليظ منها قوله: {ولله على الناس حج البيت} أي حق واجب له عليهم لكونه إلهًا فيجب عليهم الانقياد سواء عرفوا وجه الحكمة فيها أم لم يعرفوا فإن كثيرًا من أعمال الحج تعبد محض. ومنها بناء الكلام على الأبدال ليكون تثنية للمراد وتفصيلًا بعد الإجمال وإيراد للغرض في صورتين تقريرًا له في الأذهان. ومنه ذكر من كفر مكان من لم يحج وفيه من التغليظ ما فيه ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديًا أو نصرانيًا» ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم: «من ترك الصلاة متعمدًا فقد كفر» ومنها إظهار الغني وتهويل الخطب بذكر اسم الله دون أن يقول: فإنه أو فإني فإنه يدل على غاية السخط والخذلان. ومنه وضع المظهر مقام المضمر حيث قال: {عن العالمين}. ولم يقل عنه لأنه تعالى إذا كان غنيًا عن كل العالمين فلأن يكون غنيًا عن طاعة ذلك الواحد أولى. ومن العلماء من زعم أن هذا الوعيد عام في حق كل من كفر ولا تعلق له بما قبله، ومنهم من حمله على اعتقاد عدم وجوب الحج ويؤكده ما روي عن سعيد بن المسيب إنها نزلت في اليهود قالوا: إن الحج إلى مكة غير واجب.
وعن الضحاك: لما نزلت آية الحج جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الأديان الستة. المسلمين واليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين- فخطبهم وقال: إن الله تعالى كتب عليكم الحج فحجوا. فآمن به المسلمون وكفرت به الملل الخمس وقالوا: لا نؤمن به ولا نصلي إليه ولا نحجه. فنزلت {ومن كفر}. ومن الأحاديث الواردة في تأكيد أمر الحج قوله صلى الله عليه وسلم: «حجوا قبل أن لا تحجوا فإنه قد هدم البيت مرتين ويرفع في الثالثة».
وروي «حجوا قبل أن لا تحجوا حجوا قبل أن يمنع البر جانبه» أي يتعذر عليكم الذهاب إلى مكة من جانب البر لعدم الأمن أو غيره.
وعن ابن مسعود: حجوا هذا البيت قبل أن تنبت في البادية شجرة لا تأكل منها دابة إلا نفقت أي هلكت.
وعن عمر: لو ترك الناس الحج عامًا واحدًا ما نوظروا أي عجل عقوبتهم ويستأصلون.
ثم أنه سبحانه لاين أهل الكتاب في الخطاب فقال: {قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله} التي دلتكم على صدق محمد صلى الله عليه وسلم بعد ظهور البينات ودحوض الشبهات، أو بعد معرفة فضيلة الكعبة ووجوب الحج؟ {والله شهيد على ما تعملون} فيجازيكم عليه. وهذه الحال توجب أن لا تجسروا على الكفر بآياته ودلالتها على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ثم أنه تعالى لما أنكر عليهم في ضلالهم وبخهم على إضلالهم فقال: {لم تصدون عن سبيل الله من آمن} قال المفسرون: وكان صدّهم عن سبيل الله إلقاء الشكوك والشبهات في قلوب ضعفة المسلمين، وإنكار أن نعت محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم، ومنع من أراد الدخول في الإسلام بجهدهم وكدهم، أو بتذكير ما كان بينهم في الجاهلية من العداوات والحروب ليعودوا لمثله. ومحل {تبغونها عوجًا} أو اعوجاجًا نصب على الحال أو بدل وهو بكسر العين الميل عن الاستواء في كل ما لا يرى كالدين والقول. وأما الشيء الذي يرى فيقال فيه عوج بالفتح كالحائط والقناة، ولهذا قال الزجاج: العوج بالكسر في المعاني وبالفتح في الأعيان. وتبغون بمعنى تطلبون ويقتصر على مفعول واحد إذا لم يكن معها اللام مثل بغيت المال والأج فإن أريد تعديته إلى مفعولين زيدت اللام. وفالتقدير تبغون لها عوجًا كما تقول: صدتك ظبيًا أي صدت لك ظبيًا. والضمير عائد إلى السبيل فإنها تذكر وتؤنث. والمعنى إنكم تلبسون على الناس حتى توهموهم أن فيها زيفًا كقولكم: إن النسخ يدل على البداء وإن شريعة موسى باقية إلى الأبد وإن محمدًا صلى الله عليه وسلم ليس بذلك المنعوت في كتابنا أو المراد أنكم تتبعون أنفسكم في إخفاء الحق وابتغاء ما لا يتأتى لكم من وجود العوج فيما هو أقوم من كل مستقيم.
ويحتمل أن يكون {عوجًا} حالًا بمعنى ذا عوج. وذلك أنهم كانوا يدعون أنهم على دين الله وسبيله فقيل لهم: إنكم تبغون سبيل الله ضالين {وأنتم شهداء} أنها سبيل الله التي لا يصد عنها إلا ضال مضل قاله ابن عباس. أو أنتم تشهدون ظهور المعجزات على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أو أنتم شهداء بين أهل دنيكم عدول يصغون لأقوالكم ويستشهدونكم في عظائم الأمور يعني الأحبار. وفيه أن من كان كذلك لا يليق بحاله الإصرار على الباطل والكذب والضلال والإضلال. ثم أوعدهم بقوله: {وما الله بغافل عاما تعملون} كقول السيد لعبده وقد أنكر طريقته. لا يخفى عليّ سيرتك ولست بغافل عنك. وإنما ختم الآية الأولى بقوله: {والله شهيد} وهذه بقوله: {وما الله بغافل} لأن ذلك فيما أظهروه من الكفر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا فيما أضمروه وهو الصد بالاحتيال وإلقاء الشبهة. وفي تكرير الخطاب في الآيتين بقوله: {يا أهل الكتاب} توبيخ لهم على توبيخ بألطف الوجوه وألين المقال لعلهم يتفكرون فينصرفون عن سلوك سبيل الضلال والإضلال.
عن عكرمة ويروى عن زيد بن أسلم وجابر أيضا أن شاس بن قيس اليهودي- وكان عظيم الكفر شديد الطعن على المسلمين- مر على نفر من الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس لهم يتحدثون فغاظه ذلك حيث تألفوا واجتمعوا بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة وقال: ما لنا معهم إذا اجتمعوا من قرار. فأمر شابًا من اليهود أني جلس إليهم ويذكرهم يوم بعاث، وهو يوم اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج. ففعل وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين، أوس بن قيظى أحد بني حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج- فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئت والله رددتها الآن جذعة. وغضب الفريقان جميعًا وقالا: قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة وهي الحرة. فخرجوا إليها وانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية واصطفوا للقتال فنزلت {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} الآيات فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام بين الصفين فقرأها ورفع صوته، فلما سمعوا صوته صلى الله عليه وسلم وأنصتوا له صلى الله عليه وسلم وجعلوا يستمعون، فما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضًا وجثوا يبكون.
وفي رواية زيد بن أسلم: خرج إليهم رسول الله فيمن معه من المهاجرين فقال: يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارًا؟ الله الله. فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح وبكوا وعانق بعضهم بعضًا ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين فأنزل الله عز وجل الآيات. قال جابر بن عبد الله. ما كان من طالع أكره إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأومى إلينا بيده وكففنا وأصلح الله ما بيننا، فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما رأيت يومًا قط أقبح ولا أوحش أوّلًا وأحسن آخرًا من ذلك اليوم.
{وكيف تكفرون} استفهام بطريق الإنكار والعجب. والمعنى من أين يتطرق إليكم الكفر والحال أن آيات الله تتلى عليكم على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم في كل واقعة وبين أظهركم رسول الله يبين لكم كل شبهة ويزيح عنكم لكم علة؟ ومع هذين النورين لا يبقى لظلمة الضلال عين ولا أثر، فعليكم أن لا تلتفتوا إلى قوم المخالف وترجعوا فيما يعنّ لكم إلى الكتاب والنبي صلى الله عليه وسلم. قلت: أما الكتاب فإنه باق على وجه الدهر، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان قد مضى إلى رحمة الله في الظاهر، ولكن نور سره باق بين المؤمنين، فكأنه باقٍ على أن عترته صلى الله عليه وسلم وورثته يقومون مقامه بحسب الظاهر أيضا. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي».
وقال: «إن العلماء ورثة الأنبياء» اللهم اجعلنا من زمرتهم بعصمتك وهدايتك.
وفي هذا بشارة لهذه الأمة أنهم لا يضلون أبدًا إلى يوم القيامة. ثم بين أن الكل بعصمة الله وتوفيقه فقال: {ومن يعتصم بالله} يتمسك بدينه أو يلتجئ إليه في دفع شرور الكفار {فقد هدي إلى صراط مستقيم} والاعتصام الاستمساك بالشيء في منع نفسه من الوقوع في افة. أما المتعزلة فحيث لم يجعلوا الاعتصام بخلق الله وهدايته بل قالوا: أنه بفعل العبد، تأوّلوا الآية بأن المراد بالهداية الزيادة في الألطاف المرتبة على أداء الطاعات، أو المراد بالهداية إلى الجنة. قال في الكشاف: {فقد هدي} أي فقد حصل له الهداية لا محالة كما تقول: إذا جئت فلانًا فقد أفلحت كأن الهدى قد حصل له، فهو يخبر عنه حاصلًا. ومعنى التوقع في قد ظاهر لأن المعتصم بالله. متوقع للهدى، كما أن قاصد الكريم متوقع للفلاح عنده. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله: {وَأَنْتُمْ تتلى عَلَيْكُمْ آيَاتُ الله} جملة حالية، من فاعل: {تَكْفُرُونَ}.
وكذلك قوله: {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} أي: كيف يُوجَد منكم الكفرُ مع وجود هاتين الحالتين؟
والاعتصام: الامتناع، يقال: اعْتَصَمَ واسْتَعْصَمَ بمعنًى واحدٍ، واعْتَصَمَ زَيْدٌ عَمْرًا، أي: هيَّأ له ما يَعْتصِمُ به.
وقيل: الاعتصام: الاستمساك، واستعصم بكذا، أي: استمسك به.
ومعنى الآية: ومن يتمسك بدينِ الله وطاعته فقد هُدِي وأرْشِد إلى صراطٍ مستقيمٍ. وقيل: ومن يؤمن بالله. وقيل: ومن يتمسك بحبل الله وهو القرآن.
والعِصام: ما يُشدُّ به القربة، وبه يسمَّى الأشخاص، والعِصْمة مستعملة بالمعنيَيْن؛ لأنها مانعةٌ من الخطيئة وصاحبها متمسك بالحق- والعصمة- أيضا- شِبْه السوار، والمِعْصَم: موضع العِصْمَة، ويُسَمَّى البياض الذي في الرسغ- عُصْمَة؛ تشبيهًا بها، وكأنهم جعلوا ضمةَ العينِ فارقةً، وأصل العُصْمة: البياض يكون في أيدي الخيل والظباء والوعول، والأعْصَم من الوعول: ما في معاصمها بياضٌ، وهي أشدُّها عَدْوًا.
قال: [الكامل]
لَوْ أنَّ عُصْمَ عَمَامَتَيْن وَيَذْبُلٍ ** سمعَا حَدِيثَكَ أنْزَلاَ الأوْعَالا

وعصمه الطعام: منع الجوع منه، تقول العرب: عَصَمَ فلانًا الطعامُ، أي: منعه من الجوع.
وقال أحمد بن يحيى: العرب تُسَمِّي الخبز عاصِمًا، وجابرًا.
قال: [الرجز]
فَلاَ تَلُومِينِي وَلُومِي جَابِرا ** فَجَابِرٌ كَلَّفَنِي الْهَوَاجِرَا

ويسمونه عامرًا، وأنشد: [الطويل]
أبُو مَالِكٍ يَعْتَادُنِي بِالظَّهَائِر ** يِجِيءُ فَيُلْقِي رَحْلَهُ عِنْدَ عَامِرِ

وأبو مالك كنية الجوع.
وفي الحديث- في النساء: «لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْهُنَّ إلاَّ كَالْغُرَابِ الأعْصَمِ» وهو الأبيض الرجلين.
وقيل: الأبيض الجناحَين.
قال صلى الله عليه وسلم: «المَرْأةُ الصَّالِحَةُ فِي النِّسَاءِ كَالْغُرَابِ الأعْصَمِ في الغِرْبَانِ».
قيل: يا رسولَ الله، وما الغراب الأعصم؟ قال: «الَّذِي فِي أحدِ جَنَاحَيْه بَيَاضٌ».
وفي الحديث: كنا مع عمرو بن العاص، فدخلنا شِعْبًا، فإذا نحن بغربان، وفيهن غُرابٌ أحمرُ المنقار أحمر الرِّجلين، فقال عَمرو: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ بِقَدْرِ هَذَا مِنَ الغِرْبَانِ» والمراد منه: التقليل.
قوله: {فقد هدي} جواب الشرط، وجيء في الجواب بقد دلالةً على التوقُّع؛ لأن المعتصم متوقع الهداية.
والمعنى: ومن يمتنع بدينِ الله، ويتمسك بدينه، وطاعتهِ، فقد هُدِي إلى صراطِ مستقيم واضح. وفسره ابن جرير ومن يعتصم بالله أي: يؤمن بالله. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

لا ينبغي لمن أشرقت في قلبه شموسُ العرفان أن يوقع الكفرُ عليه ظِلَّه، فإنه إذا أقبل النهارُ من هاهنا أدبر الليل من ها هنا.
وقوله: {وَمَن يَعْتَصِم} الآية إنما يعتصم بالله مَنَّ وَجَدَ العصمة من الله، فأمَّا مَنْ لم يَهْدِه الله فمتى يعتصم بالله؟ فالهدايةُ منه في البداية توجِبُ اعتصامك في النهاية، لا الاعتصام منك يوجب الهداية.
وحقيقةُ الاعتصام صدق اللُّجوء إليه، ودوامُ الفرار إليه، واستصحاب الاستغاثة إليه. ومَنْ كشف عن سِرِّه غطاء التفرقة تحقق بأنه لا لغير الله ذرة أو منه سينة، فهذا الإنسان يعتصم به ممن يُعْتَصَمُ به؛ قال سيد الأولين والآخرين صلوات الله عليه وعلى آله: {أَعُوذُ بِكَ مِنْك}.
ومَنْ اعتصم بنفسه دون أن يكون محوًا عن حوله وقوته في اعتصامه- فالشِرْكُ وطنُه وليس يشعر. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآيتين:

قال رحمه الله:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}.
معنى ذلك أن الله نبّه الفئة المؤمنة إلى أن الذين يكفرون بآيات الله لن يهدأ بالهم ما دمتم أنتم- أيها المؤمنون- على الجادة، وما دمتم مستقيمين، ولن يهدأ للكافرين بآيات الله بال إلا أن يشككوا المؤمنين في دينهم، وأن يبغوها عوجا، وأن يكفروهم من بعد إسلامهم.
وهذه قضية يجب أن ينتبه لها الذين آمنوا؛ لأن الذين يبغون الأمر عوجا قد ضلوا وأضلوا، وهم يشهدون على هذا، ويعلمون أنّ الله غير غافل عما يعملون، فماذا يكون موقف الطائفة المؤمنة؟ إن الحق سبحانه يوضحه بقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}.